تقييم السياسات العمومية: التجربة المغربية نموذجاً

تقديم:

هذا الكتاب يمثل قيمة مضافة إلى رصيد المؤلفات المرتبطة بالسياسات العمومية ولاسيما في ظل غياب مؤلفات تعنى بتقييم السياسات العمومية باللغة العربية، كما يضع بين يدي القارئ الكريم تصوراً إضافياً ومتكاملاً لتقييم السياسات العمومية متناولاً التجربة المغربية كنموذج في ضوء مجموعة من التجارب المقارنة.

وفي هذا الإطار، ينطوي الكتاب على أهمية كبرى لكونه يسلط الضوء على تقييم السياسات العمومية في ضوء التجارب المقارنة وما تعرفه من اختلاف وتنوع حيث يتم تقييم السياسات العمومية بطرق مختلفة ومن قبل جهات متعددة، وأحياناً يكون التقييم دورياً ونظامياً، بينما يكون في أحيان أخرى طارئاً ومفاجئاً، وقد يكون التقييم مؤسسياً وله أجهزة متخصصة بينما يظل غير رسمي وليس له إطار مؤسساتي.

وإذا كانت التجارب المقارنة، قد طورت من المناهج والكفاءات ما يؤهلها للقيام بعملية تقييم المرافق العمومية، نتيجة التراكم الحاصل في هذا المجال، فإن المشرع المغربي حاول تجاوز الفراغ الدستوري الحاصل في مؤسسة تقييم السياسات العمومية طيلة التجارب الممتدة منذ 1963، بالرغم من أن مسلسل التقييم بالمغرب عرف مساراً تاريخياً متبايناً، حيث تميز قبل صدور الدستور المغربي، لسنة 2011، بضعف بنيات التقييم لغياب إطار قانوني يوضح مهام ومسؤوليات الفاعلين، كما أن اللجوء للتقييم لا يتم غالباً إلا بطلب من المؤسسات الدولية أو بناء على مبادرات فردية. ونظراً لأهمية تقييم السياسات العمومية، باعتباره آلية فعالة كفيلة بضمان تحقيق السياسات العمومية للأهداف المتوخاة منها، فقد عمل الدستور المغربي على تكريس تقييم السياسات العمومية دستورياً.

كما يقدم الباحث جزءاً مهماً عند تناوله لدور البرلمان المغربي في تقييم السياسات العمومية مما يدل على أن المشرع الدستوري المغربي لسنة 2011 يواكب التطور الذي طرأ على العمل البرلماني في الأنظمة السیاسیة الديمقراطية، حيث حظيت وظيفة تقييم السياسات العمومية إلى جانب الرقابة البرلمانية بأهمية بالغة في الوقت الراهن، فالبرلمان لم يعد يكتفي بمراقبة النشاط الحكومي بقدر ما أصبح فاعلاً محورياً في مجال تقييم السياسات العمومية.

إن الباحث عبد الرحيم بوزياني في إنجازه لهذا الكتاب القيم، تميز إحاطة وصياغة وتوثيقاً، وأبان فيه عن مؤهلات رفيعة وراسخة في البحث العميق، والضبط الأمين، والبيان المفيد، ما يستحق به التنويه، ويطوقه أمانة المزيد من الجهد والتصنيف. وغير خاف ما يشكله هذا العمل في هذه الآونة من مساهمة جادة في النقاش العمومي المرتبط بالنموذج التنموي الجديد للمغرب.

تقديم: الدكتور محمد المودن

 

 

Log in to view price and purchase

الوصف

تقديم (كتاب تقييم السياسات العمومية: التجربة المغربية نموذجاً)

 

هذا الكتاب يمثل قيمة مضافة إلى رصيد المؤلفات المرتبطة بالسياسات العمومية ولاسيما في ظل غياب

مؤلفات تعنى بتقييم السياسات العمومية باللغة العربية، كما يضع بين يدي القارئ الكريم تصوراً إضافياً

ومتكاملاً لتقييم السياسات العمومية متناولاً التجربة المغربية كنموذج في ضوء مجموعة من التجارب المقارنة.

 

وفي هذا الإطار، ينطوي الكتاب على أهمية كبرى لكونه يسلط الضوء على تقييم السياسات العمومية في

ضوء التجارب المقارنة وما تعرفه من اختلاف وتنوع حيث يتم تقييم السياسات العمومية بطرق مختلفة

ومن قبل جهات متعددة، وأحياناً يكون التقييم دورياً ونظامياً، بينما يكون في أحيان أخرى طارئاً

ومفاجئاً، وقد يكون التقييم مؤسسياً وله أجهزة متخصصة بينما يظل غير رسمي وليس له إطار مؤسساتي.

 

وإذا كانت التجارب المقارنة، قد طورت من المناهج والكفاءات ما يؤهلها للقيام بعملية تقييم المرافق

العمومية، نتيجة التراكم الحاصل في هذا المجال، فإن المشرع المغربي حاول تجاوز الفراغ الدستوري

الحاصل في مؤسسة تقييم السياسات العمومية طيلة التجارب الممتدة منذ 1963، بالرغم من أن مسلسل

التقييم بالمغرب عرف مساراً تاريخياً متبايناً، حيث تميز قبل صدور الدستور المغربي، لسنة 2011، بضعف

بنيات التقييم لغياب إطار قانوني يوضح مهام ومسؤوليات الفاعلين، كما أن اللجوء للتقييم لا يتم غالباً إلا بطلب

من المؤسسات الدولية أو بناء على مبادرات فردية. ونظراً لأهمية تقييم السياسات العمومية، باعتباره آلية

فعالة كفيلة بضمان تحقيق السياسات العمومية للأهداف المتوخاة منها، فقد عمل الدستور المغربي

على تكريس تقييم السياسات العمومية دستورياً.

كما يقدم الباحث جزءاً مهماً عند تناوله لدور البرلمان المغربي في تقييم السياسات العمومية مما يدل

على أن المشرع الدستوري المغربي لسنة 2011 يواكب التطور الذي طرأ على العمل البرلماني في

الأنظمة السیاسیة الديمقراطية، حيث حظيت وظيفة تقييم السياسات العمومية إلى جانب الرقابة

البرلمانية بأهمية بالغة في الوقت الراهن، فالبرلمان لم يعد يكتفي بمراقبة النشاط الحكومي بقدر

ما أصبح فاعلاً محورياً في مجال تقييم السياسات العمومية.

 

إن الباحث عبد الرحيم بوزياني في إنجازه لهذا الكتاب القيم، تميز إحاطة وصياغة وتوثيقاً، وأبان فيه

عن مؤهلات رفيعة وراسخة في البحث العميق، والضبط الأمين، والبيان المفيد، ما يستحق به التنويه،

ويطوقه أمانة المزيد من الجهد والتصنيف. وغير خاف ما يشكله هذا العمل في هذه الآونة من مساهمة

جادة في النقاش العمومي المرتبط بالنموذج التنموي الجديد للمغرب.

 الدكتور محمد المودن

 

مقدمة كتاب تقييم السياسات العمومية

يعتبر موضوع السياسات العمومية من المواضيع التي عرفت تطورا مرحليا هاما، وأصبح يلقى اهتماما واسعا من قبل العديد من فقهاء وعلماء السياسة، وذلك بفعل تطور مفهوم وممارسة الدولة وتدخلاتها في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية لحماية المصلحة العامة، خصوصا ما بعد الدولة الحارسة والمرحلة التاريخية التي تلت الحرب العالمية الثانية، والتي شهدت ازدهارا في الأبحاث والدراسات التي تهتم بالسياسات العمومية خاصة في الدول الغربية، ولاقت تلك الأبحاث رواجا بين الأكاديميين والسياسيين على حد سواء؛ فقد كانت أغلب الدراسات قبل ذلك ذات طابع فلسفي، أي أنها ركزت أكثر على التبريرات الفلسفية لعمل الحكومة ودراسة الأشكال التنظيمية لها، مثل فصل السلطات، وصلاحيات الهياكل الرسمية وواجباتها، فبقيت وصفية ظاهرية ولم تغص وتتعمق في تناول المؤسسات والقطاعات الحكومية غوصا تحليليا، كما لم تعمد إلى فهم وتحليل السلوك السياسي ولا التصرفات والعمليات المصاحبة والملازمة لصنع السياسة.

وقد برز مصطلح “علم السياسات العمومية” في الخمسينات من القرن العشرين، بفضل الجهود الفكرية لعالم الاقتصاد السياسي هارولد لاسويل Harold D.Lasswell  والذي اعتبر السياسات العمومية بأنها “من يحصل على ماذا؟ متى وكيف؟” من خلال مجموعة من العمليات المتعلقة بتوزيع الموارد والمكاسب والقيم والمزايا المادية والمعنوية وتقاسم الوظائف والمكانة الاجتماعية، بفعل ممارسة السلطة أو النفوذ[1]. وقد ارتبط مفهوم السياسات العمومية وما يختص بعملية تحليلها ضمن هذا التحول الذي طرحه هارولد لاسويل إلى حد واضح بما يختص بنظام الحكم في أمريكا كما ارتبط ذلك المفهوم أيضا بأفكار المدرسة السلوكية التي كان لها النصيب الأوفر في بناء حقل تحليلي خاص بالسياسات العمومية. فمع انبثاق هذا الاتجاه الأخير، انتقل مركز اهتمام التحليل السياسي، من وصف المؤسسات الدستورية، وما يتصل بها من صلاحيات، إلى التركيز على ما يتم داخل هذه الأخيرة، من أفعال، وعمليات، وأنماط سلوك، فأصبح علم السياسة تبعا لذلك يهتم بالسياسات العمومية، ومضمونها، وطريقة صنعها … إلخ.

كما عرفت مرحلة التسعينات من القرن العشرين وما بعدها، تغيرات في دور الدولة وارتفاع مستوى التفاعل بين القطاعين الخاص والعام، وتزايدت أدوار الشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، كما أسهمت هذه المرحلة في بلورة اتجاهات حديثة ترى أن السياسات العمومية ما هي إلا محصلة متجمعة للتفاعلات الرسمية وغير الرسمية بين عدد من المؤثرين والفاعلين على المستويين المركزي والمحلي والذين هم عادة ما يكونون أعضاء في شبكات أصبحت تعرف اليوم بشبكة السياسات العمومية[2].

وبالرغم من ضعف الاهتمام بدراسة السياسات العمومية من قبل الباحثين المغاربة خلال العقود الماضية، إلا أننا بدأنا نلمس خلال منتصف العقد الأخير من القرن الواحد والعشرين حدوث تطور مهم تجلت أهم مظاهره في تنامي الدراسات والأبحاث[3]، كما أصبحت السياسات العمومية مجالا للمعرفة الأكاديمية بشكل عام؛ حيث أخذت مكانها ضمن المجالات المعرفية الأخرى، بما أنها أصبحت مادة أكاديمية تدرس على مستوى الجامعات المغربية وبعض المعاهد الخاصة المهتمة بالدراسات السياسية والاقتصادية. كما أن تنامي عدد مراكز البحث التي تجعل من السياسات العمومية موضوعا تخصصيا لها أدى بهذا الحقل المعرفي إلى أن يأخذ مكانه ضمن دائرة نقاش الأفكار السائدة في المجتمع وأن يساعد على فهم الفعل العمومي بشكل أعمق. وفي هذا الإطار سعى العديد من الباحثين وتلك المراكز إلى دراسة السياسات العمومية من جميع أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية… .

[1] Harold.D .Lasswell, Politics : Who Gets, What, When, How.2ed, New York Meridian Books, 1958, pp. 13-27.

[2] Pierre Muller, Les politiques publiques, “Que sais-je ?”, PUF, 11e édition, Paris 2015, p.41.

[3] علي الحنودي، دراسة السياسات العمومية، طباعة RIVE IMPRIMERIE تطوان، 2016، ص. 163.

 

تقييم السياسات العمومية