عندما يتضاءل المسرح او ينعدم
الوصف
د يكون أحد أسباب الأزمة التي يعيشها المسرح في الوطن العربي على مستويي النص والتعبير، هو عدم تمكنه بشكل تام، من امتلاك أدوات التعبير الخاصة به، والتي تتبع عادة من ثنايا الحياة الاجتماعية ومن العادات والتقاليد المتوارثة، والتي تمارس يومياً. إن وسائل وأدوات التعبير اليومية في الحياة، لم تنقل بعد بشكل كاف إلى خشبة المسرح، كي يصبح هذا الأخير وسيلة تعبير واعية تماماً، تحاكي الخصوصية في الحياة على كل المستويات، وذلك يعني أن القبض على زمام تلك الادوات في التعبير الجمعي اليومي ولحظاته، لم يبلغ بعد مرحلة النضج الكافي.
إن القبض على مفاتيح تلك الأدوات الاجتماعية في التعبير اليومي لدى الجماعة الاجتماعية، لا يعني فقط جمعها وتعدادها ومعرفة تفاصيل حركيتها وديناميتها؛ بل يعني أيضاً، إيجاد مرادف أو معادل لها في التعبير وطرق ذلك التعبير على خشبة المسرح؛ إذ أن الأداة كوسيلة تعبير، وكذلك طرائق التعبير في المجتمع وفي الحياة اليومية لا تنقل كما هي إلى الميدان الفني بقصد محاكاتها؛ لأن تصورنا الأمثل لها، الذي يتجسد في ذلك الميدان (كالمسرح مثلاً)، يتجاوز في تعبيره الفني الزخم الذي لها في الحياة اليومية العادية، فالأشكال في التعبير التي كانت تقارب المسرح دون أن تبلغه (التعبير الجمعي في المواسم والأعياد والاحتفالات، والستارة وحاجز الرؤية) قد تجسدت مسرحياً في خيال الظل، والراوي والحكواتي، وما إلى ذلك.. إلى أن سقط المسرح في فخ تأثير أدوات التعبير الغربية، وأصبح خيال الظل على سبيل المثال، والذي لم تتطور تقنيته كثيراُ لدى العرب، كأنه من اختراع الغرب، لأنه استأثر به وعمل على تطويره في سياقات شتى. وإذا كان لا بأس من الاستفادة من التقنية المسرحية الغربية؛ إلا أن اقتحام أدواته واقتحام تقنيته لعالم المسرح لدينا، وحيث لم نكون مسرحاً ولم نعمل على تحويل تلك الاشكال في التعبيرإلى مسرحة علمية خالصة، يشبه ذلك الاقتحام إلى حد بعيد، أي غزو ثقافي وغير ثقافي آخر، هدفه التغيير في أنماط الحياة والممارسات الفكرية والاجتماعية كالعادات والتقاليد والتراث واللغة، وذلك عن طريق اقحام قصري لعناصر ثقافية جديدة، هي غريبة عن حياة الشعوب التي تتعرض للغزو.
فالأداة الجديدة الدخيلة يصارعها الانسان، يعاني منها لكنه يتأقلم معها فيما بعد، بعد أن تشهد تحولات درامية. لكن بعد مرور فترة طويلة، يصبح من العسير على الشعوب تعريب أو تنقية أدواتهم التعبيرية الأصيلة التي لهم في الحياة، من تلف الادوات والعناصر التي أدخلتها “الأخر” وفرضها فرضاً بحكم الغلبة.
ضمن هذه المناخات تأتي النصوص النقدية التي تتناول هموم وشجون المسرح العربي. وما تركيز الناقد على المسرح أكثر من غيره الا بسبب حساسية الموضوع، باعتبار المسرح من لحم ودمالفرد، وهو على المستوى الثقافي، كرأس الحربة.